حقوق المرأة في قوانين العراق

حق المرأة في الميراث

تأخذ المرأة من الميراث أنصبة مختلفة حسب توصيفها ومركزها القانوني، فهي إما أم ، زوجة، بنت، أخت، جدة، عمة، خالة أو من ذوي القربى الآخرين، وفي كل حالة ترث حصة تختلف عن الأخرى، وسنعرض لها على وفق الترتيب الذي ورد في قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 دون التطرق إلى الأحكام الشرعية لفقه المذاهب الإسلامية، إلا بالقدر اللازم لاغناء هذه الدراسة، لان الخوض فيها يحتاج إلى سعة في كتابته لا تستوعبها هذه الدراسة وعلى وفق ما يلي :

حق ألام في الميراث

تستحق الأم الميراث من ولدها المتوفى قبلها بعدة انصبه حسب وجود ورثة آخرين واجتماعهم معها ، وتعتبر من أصحاب الفروض، الذين نص القرآن الكريم على توريثهم في الآية 11 من سورة النساء (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ )، فان حقها في الإرث يختلف عندما تكون مع الأب وكذلك عندما تكون بمفردها وحينما يكون بعض أولادها من أخوة أو أشقاء للمتوفى لذلك سأتناول الحالات في الفروع التالية :.

الفرع الأول

الأم مع الأب

الأم هي التي يرتفع نسب المتوفى إليها بالبنوة دون واسطة، فعندما يتوفى الابن ويترك من ورثته الأب والأم وأخوة وأخوات مع الأجداد و وقد يكون هناك أشخاص آخرين، فان إلام والأب يحجبون بقية الورثة وينفردون بالميراث على وفق ما ورد في نص المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية النافذ[28] والمستمدة من أحكام الآية القرآنية (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)[29]، إلا أن النسب تختلف بين الأب والأم ، حيث اختلف الأمر بالنسبة للمذاهب ويكون هذا الاختلاف ملزم للقضاء العراقي عند التطبيق، إذ لم يحدد النص النافذ ما يشير إلى حصة الأم على وجه التحديد وإنما ترك الأمر إلى فقه المذاهب الإسلامية على وفق ما أشارت إليه المادة (90) من قانون الأحوال الشخصية[30]، والعودة إلى ما كان معمول به قبل نفاذه، وهو الرجوع إلى مذهب المتوفى، وميراثها في يتجسد في الصور التالية :

1. إذا لم يكن للمتوفى غير أمه فإنها ترث منه الثلث فرضا بموجب ما مقرر لها في القرآن والباقي يرد عليها إذا كان المتوفى على وفق أحكام المذهب الجعفري[31]، أما إذا كان المتوفى على المذهب الحنفي فان نصيب الأم يكون ثلث التركة فقط عند عدم وجود احد من الوارثين[32] .

2. إذا كان مع الأم من الورثة الأب فقط وليس للمتوفى أبناء أو أخوة فأنها ترث الثلث والثلثين للأب[33]، على وفق أحكام المذاهب الإسلامية

3. إذا كان مع الأم من الورثة الأب فقط ويوجد للمتوفى أخوة فان الصورة تكون في فرضين:

‌أ- ترث السدس عند وجود أكثر من أخوة اثنان للمتوفى مع وجود الأب.

‌ب- ترث ثلثي تركة المتوفى عند عدم وجود اقل من أخوة اثنان ذكور وذلك عند الجعفرية فقط[34]، وتأخذ السدس على وفق أحكام المذهب الحنفي

الفرع الثاني

الأم مع الإخوة والأخوات

اذا ما توفى شخص وترك ام وأخوة وأخوات فان لحصة الورثة تقسم بين هؤلاء بشكل مختلف تبعا لمذهب الابن المتوفى إذ تأخذ الأم في الفقه الحنفي ثلث سهام التركه والبقية توزع على الأخوة والأخوات أما عند الجعفرية فان الأم تأخذ كل التركة لأنه تحجب بقية الورثة كونها تشكل طبقة اقرب إلى المتوفى من أخوته أو أشقائه[35] .وهذا أمر ملزم للقضاء العراقي

الفرع الثالث

الأم مع الزوجة والأولاد

إذا توفى شخص وترك أم مع زوجة وأولاد أو مع احدهم فإنها تستحق السدس، إما إذا كانت الأم مع الأب واحد الزوجين، فان ميراثها هو الثلث، لكن اختلف الأمر في مفهوم الثلث بين المذاهب عند عدم وجود أبناء للمتوفى، حيث أن الجعفرية يعطون ثلث التركة للام عند وجود زوج أو زوجة للمتوفى وأب ، أما عند الأحناف فان الأم تأخذ ثلث الباقي بعد الأب واحد الزوجين وكل فريق له مبرراته الشرعية[36].

المطلب الثاني

حق البنت في الميراث

إن حق البنت في ميراث أبيها مختلف حسب وجود ورثة آخرين معها وسأعرض لها على وفق ما يلي

الفرع الأول

ميراث البنت منفرد أو مع أصحاب الفروض الأخرى

اختلفت المذاهب الإسلامية في توريث البنت عندما تكون منفردة وليس معها أي من إخوانها، فعند الجعفرية تأخذ كل التركة وعند الحنفية نأخذ النصف، إلا إن المشرع العراقي وفي خطوة مهمة تعتبر متقدمة جدا قياسا لما عليه في قوانين الدول العربية المحيطة بالعراق، إذ اعتبر البنت كالابن عندما تنفرد بالتركة وتحجب بقية الورثة عدا أصحاب الفروض وعلى وفق قانون التعديل الثاني رقم (21) لسنة 1978 قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ، عندما أضاف الفقرة رقم (2) إلى نص المادة (91)

الفرع الثاني

حق البنت مع الإخوة

للبنت صورتين من الإرث عندما تكون مع أخوة ذكور ففي الأولى تأخذ نصف حصة الأخ الذكر وهو ما متفق عليه عند كل المذاهب الإسلامية والدليل الشرعي لذلك هو نص الآية الكريمة (ُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)[38] وهذا ما اخذ المشرع العراقي في نص الفقرة (1) من المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية[39] ، وفي الصورة الثانية إذا كانت الوريثات أكثر من بنت فان الأمر اختلف عند المذاهب الإسلامية بين أن يورثن كل التركة وبين بعضها لكن المشرع العراقي حسم الأمر بان جعل التركة توزع بينهن بالتساوي على وفق نص الفقرة (2) من المادة (91) من قانون الأحوال الشخصية المعدل المشار إليها في أعلاه.

المطلب الخامس

حق الزوجة

ترث الزوجة باسهم مختلفة تبعا لوجود أصحاب الفروض الأخرى ، فهي ترث ثمن التركة عندما يكون للمتوفى فرع وارث أي له أولاد سواء كانوا ذكور أو أحياء عند وفاته وتأخذ الربع عندما لا يكون للمتوفى فرع وارث وهو متفق عليه عند المذاهب الإسلامية ويستدل على شرعيته من نص الآية الكريمة (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[40]، واعتد المشرع العراقي ذلك في نص الفقرة (1) من المادة (91) من قانون الأحوال الشخصية[41]، وهذا الفرض سواء كانت مع ورثة آخرين أو منفردة فإنها لا ترث أكثر مما ذكر في أعلاه ، لكن يوجد استثناء اقره المشرع العراقي بان أعطى للزوجة والزوج كل التركة عندما يتوفى احدهم ويترك دار سكن واحدة وزوجة أو زوج فقط، وبموجب آلية اقرها في نص قرار مجلس قيادة الثورة المنحل[42] رقم (1170) في 29/10/1977، إذ كانت الزوجة تأخذ الربع ويذهب الباقي إلى المالية العامة للدولة على اعتبار إن الدولة وريث لمن وارث له.

المطلب السادس

ميراث المرأة من ذوي الأرحام

بعد أن ذكرنا في المطالب السابقة حالات ميراث المرأة عندما تكون صاحبة فرض اقره القرآن الكريم وعلى وفق ما أشرت إليه ، لكن توجد حالات اختلف فيها فقهاء المسلمين ولم يعالجها النص القانوني النافذ ، وهذا اعكس على حقوق المرأة، لأنها أصبحت رهينة الاجتهاد، فترى قرار قضائي يحكم باتجاه تعضيد حق المرأة، وفي قرار آخر ينقص حقها ولحالة واحدة، وفي تطبيقات القضاء العراقي حالات تصدى لها في تفسير النص باتجاه تعضيد حقوق المرأة وسأعرض لحالتين صدرت فيها أحكام قضائية من القضاء العراقي وعلى وفق ما يلي: ـ

‌أ- عندما يتوفى شخص ويترك أبناء وبنات أخ أو أخت، فان القانون العراقي لم يتطرق إلى تلك الحالة، وإنما تركها إلى ما كان معمول به قبل نفاذ قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ، بمعنى الرجوع إلى الأحكام الفقهية للمذاهب ، وفي إحدى الحالات توفى رجل وترك ابن أخت وبنت أخ فقط، فصدر القسام الشرعي الذي ورث الذكر (ابن الأخت) سهمين والأنثى (بنت الأخ) سهم واحد على قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين وتم الاعتراض على ذلك القسام أمام أحدى المحاكم التي كنت أتولى القضاء فيها ، فأصدرت قرار يقضي بمنح البنت ضعف الذكر على وفق مسوغات قانونية وشرعية استنبطتها المحكمة من خلال آراء فقهاء المسلمين والأخذ بالتفسير المتطور تجاه إنصاف المرأة، الذي يشكل أهم المبادئ التي نادت بها الشريعة الإسلامية السمحاء[43].

‌ب- وفي حالة وفاة امرأة تركت من بين ورثتها عمة وأبناء عم وهم على المذهب الحنفي ، فان فقه المذهب المذكور يأخذ بنظام العصبات بمعنى ان الذكر يعتبر عصبة حيث تعرف كلمة عصبة الرجل في اللغة هم بنوه وأقاربه ومأخوذة من عصب القوم بفلان عصبا إذا أحاطوا به ، وتنقسم العصبة إلى قسمين الأول عصبة نسبية وهي ما كانت من جهة القرابة الحقيقية مثل الابن والأب أي بنت الابن ترث، لأنها ترتبط بالمتوفى عن طريق الابن والثاني عصبة سببية وهي ما كانت من جهة القرابة الحكمية الآتية من العتق وهذا النوع من العصبات اندثر ولم يبقى منه إلا ما موجود في كتب التراث[44] فإذا اجتمع مع أنثى ذكر فانها اما ترث معه بالتعصيب اذا كانت تدلي الى المتوفى بذكر مباشر او انها تحجب لكونها ليست بعصبة ، هذا على مستوى الفقه الاسلامي اما المشرع العراقي فانه ذكر نصا المادة (89) على الوارثون وجعلهم في مراتب ففي المرتبة الاولى الابوان والأولاد وان نزلوا وفي الثانية الجد والجدات والأخوة والأخوات وأولاد الأخوة والأخوات والثالثة الأعمام والعمات والأخوال والخالات وذوي الأرحام . وكان يفهم من هذا النص أن المذكورين في المرتبة الأولى يحجبون منهم في الثانية وهكذا لكن محكمة التمييز وبعض شراح قانون الأحوال الشخصية فسروا النص بطريق مختلف واعتبروا إن المادة (90) من ذات القانون أعادت العمل بما كان عليه قبل نفاذ قانون الأحوال الشخصية وفي مبررات ساقها من اعتنق هذه الفكرة وصدرت قرارات من الهيئة العامة في محكمة التمييز التي تعتبر أعلى جهة قضائية في العراق تؤيد ذلك المسعى وان كان هناك قرار أو قرارين اتجها نحو الأخذ بفكرة المرتبة الأولى تحجب ما يليها لكن تم الرجوع عن تلك القرارات ، ومن تطبيقات القضاء الحديثة قرار لمحكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب التي أتولى القضاء فيها في الوقت الحاضر، حيث أصدرت قرار بان اعتمدت على مسوغات قانونية في تفسير نص القانون باتجاه أنصاف المرأة من حيث إعطائها حقوقها كاملة غير منقوصة ، وملخص القضية بان توفت امرأة وتركت عمة وأولاد عم وهم على المذهب الحنفي فان فقه المذهب الحنفي لا يورث العمة لوجود العصبات الذكور أبناء العم، إلا إن نص القانون إذا فسر باتجاه اعتبار أخذه بنظام الطبقات أو المراتب فإنها سترث وتحجب البقية حتى وان كانوا عصبة وهذا القرار أثار ضجة في الأوساط القانونية والفقهية وهو الآن محل نظر وتدقيق من قبل الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية، واعتقد إن الأجواء السائدة في محكمة التمييز تميل إلى نقضه والعودة إلى ما استقر عليه العمل باعتماد العمل على وفق المذهب الذي تدين به المتوفاة وحجب العمة من الإرث كونها ليست عصبة وأرفق نص القرار طي الدراسة لتعميم الفائدة[45] .